السبت، 31 أغسطس 2013

النبى والشعر الايروتيكى

النبيّ والشعر الإيروتيكي

جمال جمعة

مجلة "الغاوون": العدد 35 - كانون الثاني 2011

«مرّ عمر بن الخطّاب بحسّان بن ثابت وهو ينشد الشعر في مسجد رسول الله (ص)، ثمّ قال: أرُغاءً كرُغاءِ البعير؟ فقال حسّان: دعني عنكَ يا عُمَر، فواللهِ إنكَ لتعلمَ أنّي كنتُ أنشدُ في هذا المسجد مَن هو خيرٌ منكَ، فما يغيّر عليَّ ذلك؟ فقال عُمَر: صدقت» (العمدة في الشعر وآدابه، ابن رشيق القيروانيّ).

مرّت هذا الرواية بذهني وأنا أُطالع خبراً بمانشيت عريض في صحيفة يقول: «قصائد غزل تُثير أزمة بين هيئة الأمر بالمعروف ونادٍ أدبيّ في السعودية بسبب تضمّنها وصفاً دقيقاً لجسد المرأة». ولم يكن في الأمر ما يُثير الاستغراب عندي، فالكثير من المسلمين، خصوصاً أولئك الذين ينصِّبون أنفسهم أوصياء على الأخلاق، لا يعلمون أنّ النبيّ كان مُستمعاً جيّداً للشعر، وللإيروتيكيّ منه بشكل خاصّ.

كانت أوّل قصيدة إيروتيكيّة في الإسلام قصيدة كعب بن زهير المشهورة بقصيدة «البُردة» والتي استمع إليها الرسول وهو في المسجد، ولأنّ النبيّ لم يجد من كلمة استحسان للشعر فيها خيراً من إلقاء بُردته الشخصيّة على كتفَي شاعر كبير مثل كعب بن زهير، فقد عُرفت بـ«قصيدة البُردة» أكثر ممّا عُرفت باسم شاعرها أو مطلعها، كما كان متعارفاً عليه ثقافيّاً آنذاك. وقبيل الولوج إلى نصّها الإيروتيكي دعونا نعد قليلاً إلى فترة ما قبل القصيدة.

كانت المنازلات الشعريّة بين المشركين والمسلمين جزءاً من الصراع العسكريّ قبل فتح مكّة، حيث كان شعراء الجانبَين يمارسون هجوَ المعسكر المعادي والنيل من أعراضهم والتشبيب بنسائهم، كجزء من الحرب النفسيّة والإعلاميّة، آنذاك. ولمّا كان كعب بن زهير في معسكر قريش المعادي للنبيّ فقد هجاهم وشبَّب بنسائهم، وكانت - لسوء حظّ ابن زهير - إحدى هاته النساء اللواتي شبَّب بهنّ، أمّ هانئ بنت أبي طالب، وهي أخت عليّ بن أبي طالب ابن عمّ الرسول، فأمرَ الرسول بقتله وقطع لسانه عقاباً له على ذلك (الكامل في التاريخ، ابن الأثير).

ويروي صاحب «الأغاني»: أنّه لمّا سمع ذلك ضاقت به الأرض، فقرّر القدوم على الرسول بنفسه وطلب العفو منه شخصيّاً، فأقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله، وكان مجلسه من أصحابه مكان المائدة من القوم حلقةً ثمّ حلقة ثمّ حلقة، وهو وسطهم، فيقبل على هؤلاء يحدّثهم، ثمّ على هؤلاء، ثم على هؤلاء، فأقبل كعب حتى دخل المسجد، فتخطّى حتى جلس إلى رسول الله، فقال: «يا رسول الله، الأمان»! ثمّ أنشده قصيدته الشهيرة، والتي سيهمّنا منها، هنا، مطلعها الإيروتيكيّ:

بانتْ سُعاد فقلبي اليومَ مَتْبولُ

مُتَيَّمٌ إثرَها، لمْ يُفْد، مَكبولُ

(البين: الفراق، وسعاد، اسم امرأة، ومتبول: هالك، من التَّبْل، وهو الهلاك وطلب الثأر، والمتيّم: المُستعبَدٌ المُذلَّل أو الذاهب العقل من العشق، مكبول: مُقيَّد)

وما سُعادُ غَداةَ البَيْنِ إذْ رَحَلوا

إلاّ أغَنّ غَضيضُ الطَّرْفِ مَكْحولُ

(الأغنّ: الصبيّ الصغير الذي في صوته غُنَّة، والغُنَّة: الصوت الذي يخرج من الخياشيم، غضيض الطرف: فاتر الجفن)

هَيفاءُ مُقبِلةً، عَجزاءُ مُدبِرَةً

لا يُشتكى قِصرٌ منها، ولا طُولُ

(الهيفاء: الضامرة البطن والخصر، العجزاء: العظيمة العجيزة، وهي الردف)

تجلو عَوارِضَ ذي ظَلْمِ إذا ابتسمتْ

كأنّه مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مَعْلولُ

(تجلو: تصقل، العوارض: الأسنان، و«ذي ظلم»: هو الفم، والظَّلم: ماء الأسنان وبريقها، منهل: اسم مفعول من «أنهله» إذا سقاه نهلاً، معلول: اسم مفعول من «علّه» إذا سقاه عللاً)

شُجَّتْ بذي شَبَمٍ من ماءِ مَحْنِيَةٍ

صافٍ بأبطَحَ أضحى وهو مَشمولُ

(شجّت: مُزجت، ذو شبم: الماء البارد، الشبم: البَرَد، المحنية: منتهى الوادي، الأبطح: الموضع السهل، مشمول: هبَّت عليه رياح الشمال الباردة)

تَنفي الرياحُ القَذى عنهُ وأفْرَطهُ

مِن صَوْبِ غاديةٍ بِيضٌ يَعاليلُ

(تنفي: تزيل، القذى: ما يقع في الماء من تبن أو عود أو غيره، وأفرطه: سبق إليه وملأه، الصوب: المطر، الغادية: السحابة التي تمطر بالغدو، اليعاليل: الحباب الذي يعلو وجه الماء، وهو رغوة الماء)

فيا لَها خُلَّةً لو أنّها صَدقتْ

بوعدِها أو لو انّ النُّصْحَ مقبولُ

إلى بقيّة القصيدة...



ميَّز الإسلام بين الغزل والرَّفَث، فالتغزُّل الإيروتيكي بجمال المرأة ووصف محاسن جسدها يختلف كثيراً عن الرَّفَث، الذي هو الفحش في ذكر النساء بحضورهنّ، أي خلط الحديث الجنسيّ بالبذاءة، والرَّفَث غير مقبول اجتماعيّاً حتى في أعراف الدول الغربيّة حيث يعتبره بعضها بمثابة تحرّش جنسيّ غير مباشر وتُعاقب عليه قوانينها بالغرامة أو الحبس. لكن حتى هذا الرفث جائز قوله شرعاً في عِرف الإسلام، حسب فتيا حبر الإسلام ابن عبّاس، ولو كان ذلك في الحَرَم المكّي، شريطة عدم وجود النساء هناك.

يروي ابن الأثير المحدِّث في كتابه «النهاية في غريب الأثر» أنّ حُصَين بن قيس سأل ابن عباس يوماً، وكان مُحْرِماً: «هل الشِّعرُ من رفث القولِ؟»، فأنشد ابن عبّاس:

وهُنَّ يَمشِينَ بنا هَمِيسَا

إنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَميسَا

فقال له صاحبه حصين: «أترفثُ وأنتُ مُحْرِم؟!»، فقال له: «إنّ الرَّفث ما قيل عند النساء»، ثمّ أحرَمَ للصلاة.



إيروتيكيّات شاعر الرسول حسّان بن ثابت

أنشد حسّان بن ثابت وهو يذكر الحرث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهزيمته يوم بدر قصيدة فيها مسحة إيروتيكية:

«تَبَلَتْ فؤادَكَ في المنامِ خَرِيدَةُ

تسقي الضَّجيعَ بباردٍ بسَّامِ

كالمِسْكِ تَخلطُهُ بماءِ سَحابةٍ

أو عاتقٍ كَدَمِ الذَّبيحِ مُدامِ

نُفُجُ الحَقيبةِ بُوصُها مُتَنضِّدٌ

بَلْهاءُ، غيرُ وشيكةِ الأقسامِ

بُنِيَتْ على قَطَنٍ أجَمَّ كأنّهُ

فُضُلاً، إذا قَعَدتْ، مَداكُ رُخامِ

وتكادُ تَكْسَلُ أنْ تَجيءَ فِراشَها

في لينِ خَرْعبةٍ، وحُسْنِ قَوامِ

أمّا النـهارُ، فما أُفَتِّرُ ذِكْرَها

والليلُ تُوْزِعُني بها أحلامي».



كان حسّان بن ثابت جباناً، سيفه لسانه وميدانه كلماته، يطاعن في منامه ويفخر ببطولاته التي اجترحها في أوهامه، أمّا حين يجدّ الجدّ فله في القعود ألف مخرج، وعند الهروب مئة باب. وكان الجميع على علم بصفته هذه، بمَن فيهم الرسول، ويروي الأصفهانيّ أنّه أنشدَ النبيَّ شعراً في شجاعته فضحك منه.

قال الزبير إنّه سمع أنّ «حسّان بن ثابت أنشدَ رسول الله:

وقد أراني أمامَ الحَيِّ مُنتطِقاً

بصارمٍ مثل لون الملحِ، قطّاعِ

تحفِزُ عنّي، نِجادُ السيفِ، سابغةٌ

فضفاضة مثل لون النِّهْي بالقاعِ

في فتيةٍ كسيوفِ الهندِ، أوجُههمْ

نحو الصَّريخِ إذا ما ثوَّبَ الدَّاعي

قال: فضحك رسولُ الله، صلّى الله عليه وسلّم؛ فظنّ حسّانُ أنّه ضحكَ من صفتهِ نفسه مع جُبنه» (معاهد التنصيص في شواهد التلخيص، عبد الرحيم بن أحمد العبّاسي).

أمّا ابن الأثير المؤرِّخ فيقول بالحرف الواحد: «كان حسّان من أجبن الناس، حتى أنّ النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، جعله مع النساء في الآطام يوم الخندق» (والأُطُم: هو الحصن المبنيّ من الحجارة)، ولهذه حكاية يرويها:

«كانت صفيّة بنت عبد المطَّلب في فارع، حصن حسّان بن ثابت، وكان حسّان بن ثابت مع النساء والصبيان، حيث خندق النبيّ (ص). قالت صفية: فمرّ بنا رجلٌ من اليهود، فجعل يطيف بالحصن، فقالت له صفيّة: «إن هذا اليهوديّ يطيف بالحصن كما ترى، ولا آمنه أن يدلّ على عورتنا مَن وراءنا مِن اليهود، وقد شُغِلَ عنّا رسول الله وأصحابه، فانزلْ إليه فاقتلْه»، فقال حسّان: «يغفر اللهُ لكِ يا بنتَ عبد المطّلب، لقد عرفتِ ما أنا بصاحبِ هذا». قالت صفيّة: فلمّا قال ذلك أخذتُ عموداً، ونزلتُ من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتله، ثم رجعتُ إلى الحصن، فقلت: «يا حسّان، إنزلْ فاسلبْه»، فقال: «ما لي بسلبهِ من حاجةٍ يا بنتَ عبد المطلب»...» (أسد الغابة في معرفة الصحابة).

وتبعاً لذلك لم يشهد حسّان أيَّ موقعة للمسلمين، باستثناء يوم الخندق، حيث خاض معركة طريفة يقصُّها علينا ابن الزبير ويقول: «كان معنا حسّان بن ثابت ضارباً وَتَداً يوم الخندق، فإذا حملَ أصحابُ رسول الله على المشركين حملَ هو على الوتد فضربه بالسيف؛ وإذا أقبل المشركون انحازَ عن الوتد حتّى كأنّه يقاتل قِرْناً (مُناجزاً)، يتشبّه بهم كأنّه يُري أنّه مجاهدٌ حين جَبُن» (الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني).

ومع كلّ هذا فقد كان حسّان بن ثابت يُكنى «أبو الحُسام» لمناضلته عن رسول الله ولتقطيعه أعراض المُشركين (أسد الغابة...).



الدلالة الإيروتيكيّة للحسام

يرتبط الحسام (السيف) ثقافيّاً بالرجولة، خصوصاً وأنّ شكله يقترن برمز القضيب (Phallic) عند الانتصاب أو الفحولة، وفي اللاتينية تُطلق كلمة «Gladius» على عضو الرجل والسيف، كما تفيد مفردة «Gladiators» معنى المجالد (المصارع)، الطاعن بالسيف وجالد عميرة. وما زال الرجال في اليمن يتباهون بتعليقهم السيوف الصغيرة في منتصف أحزمتهم لتبدو وكأنّها أعضاء جنسيّة منتصبة. كما حفل الشعر العربيّ بمثل هذه المقارنات كقول النابغة الذبيانيّ واصفاً عملية إدخال الذَّكَر في فرْج المرأة بالطعان:

«وإذا طعنتَ، طعنتَ في مُستهدَفٍ

رابي المَجسَّةِ، بالعبيرِ مُقرمَدِ».



ومثلما اقترنَ الذَّكَر بالسيف، اقترنَ فَرْجُ المرأة بالغِمْد، ومنه قول أبي ذؤيب في امرأةٍ أرادت أَن يُخالَّها خَليلان:

«تريدين كيما تجمعيني وخالداً

وهل يُجمع السيفان، ويحكِ، في غِمْدِ»؟



والحسام أو السيف رمز قضيبيّ مشترك في جميع ثقافات الشعوب تقريباً، فمسرحيات شكسبير مثلاً حافلة بالتوريات والرموز التي تقرن السيف والخنجر بالفحولة أو الرجولة. وهنالك من الباحثين مَن يرى في خيار قتل عُطيل لزوجته ديزدمونة خنقاً باستعمال يدَيه بدلاً من استعمال السيف أو الخنجر كما هو معتاد، كنايةً عن العجز الجنسيّ أو العنّة التي أصابت عُطيل، فالصعوبة التي يلاقيها عطيل في رفع سكّينه لـ«طعن» ديزدمونة توازي عدم قدرته على الانتصاب.



لسان حسّان

قال النبيّ لحسّان لمّا طلبه لهجو قريش: «كيف تهجوهم وأنا منهم؟»، فقال حسّان: «واللّه، لأسلَّنَّكَ منهم سلَّ الشَّعرة من العجين، فلي مِقْوَل (لسان) ما أحسب أنّه لأحد من العرب، وإنّه ليفري (يشقّ) ما لا تفري الحربة». ثمّ أخرجَ لسانه كأنّه لسان شِجاعٍ (أفعى)، بطرفهِ شامةٌ سوداء، فضربَ به أنفَه، ثمّ ضربَ به ذقنه وقال: «لأفرينّهم فريَ الأديمِ (الجلد المدبوغ)، فصُبّ على قريش منه شآبيب شَرٍّ»، فقال له الرسول: «إهجِهم كأنّكَ تنضحهم بالنبْل» (نكث الهميان، الصفديّ)، وفي رواية الذهبيّ: «إنّ روحَ القدس لا يزال يؤيّدك ما نافحتَ عن الله ورسوله» (تاريخ الإسلام).

كانت المشكلة الأساسيّة ليست في الهجاء وإنّما في طبيعة المهجو نفسه، فقد كان العلاقات الأسريّة متشابكة بين النبيّ وبين سادة قريش، فأبو سفيان هو ابن عمّ النبيّ وأبو لهب خاله، والنضر بن الحارث ابن خالته، وهكذا فإنّ كلّ تعريض بعرض هؤلاء كان يمسّ بشكل أو بآخر أهل النبيّ نفسه. فبعث به النبيّ إلى أبي بكر، لعلمه بالأنساب، وقال له: «إئتِ أبا بكر فإنّه أعلم بأنساب القوم منكَ»، فمضى إلى أبي بكر ليقفَ على أنسابهم فكان أبو بكر يقول له: «كفّ عن فلانة وفلانة، واذكرْ فلانة وفلانة»، فجعل حسّان يهجوهم. ولمّا بلغ قريشاً شِعرُه اتّهموا أبا بكر قائلين: «إنّ هذا الشَّتمَ ما غابَ عنه ابن أبي قحافة» (الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر).



الهجاء الإيروتيكيّ

يتهيّأ لنا، من خلال وصيّة أبي بكر لحسّان بن ثابت وإرشاداته، أنّ التركيز في الهجاء سيكون متمركزاً حول نساء القرشيين، لكن قطعاً لن يكون هذا الهجاء محاورةً فكريّة معهنّ ولا دعوةً للبراز بل «تقطيع للأعراض»، على حدّ تعبير ابن الأثير، وما سيمكننا أن نطلق عليه مصطلح «الهجاء الإيروتيكيّ» الذي سيستعرض فيه الشاعر جسد المهجوّة، علاقاتها الجنسيّة، وأنماط الممارسات الجنسيّة التي تقوم بها. فكانت أولى ضحايا التشهير الجنسيّ هند، زوجة أبي سفيان، سيّد قريش وخصم النبيّ اللدود. أمّا المناسبة فكانت هزيمة المسلمين في معركة أحد.

أنشد حسّان في هجو هند بنت عتبة بن ربيعة ثلاث قصائد أسقطها ابن هشام معتذراً بأنّه «تركها وأبياتاً أيضاً له على الدال وأبياتاً أُخَر على الذال، لأنّه أقذعَ فيها» (سيرة ابن هشام).



المقطوعة الأولى: قال يهجو أبا سفيان وهند بنت عتبة:

«أشِرَت لَكاعِ وكان عادتها

لؤمٌ، إذا أشِرتْ، مع الكُفرِ

أَخرجتِ مُرقِصَةً إلى أُحُدٍ

في القومِ مُعْنِقَةً على بَكْرِ

بَكْرٍ ثَفالٍ، لا حراكَ بهِ

لا عن مُعاتَبةٍ ولا زَجرِ

وَعَصاكِ إسْتُكِ تتَّقينَ به

دَقَّ العُجايَةِ، عاريَ الفِهْرِ

لَعَنَ الإلهُ وزَوجَها معَها

هِندَ الهُنودِ، طويلةَ البظْرِ

قرِحتْ عَجيزتُها ومَشرَجُها

مِن نَصِّها نَصَّاً على القهْرِ

ظلّتْ تُداويها زَميلتُها

بالماءِ تَنضحُهُ وبالسِّدْرِ

أقبلتِ زائرةً مُبادِرةً

بأبيكِ وابنكِ يومَ ذي بَدْرِ

وبعمِّكِ المسلوبِ بِزَّتَهُ

وأخيكِ مُنعفِرَينِ في الجَفْرِ

ونَسيتِ فاحشةً أتيتِ بها

يا هندُ، وَيحَكِ، سُبَّةَ الدَّهْرِ

فَرَجعتِ صاغرةً بلا تِرَةٍ

ممّا ظفرتِ به، ولا وَتْرِ

زَعمَ الولائدُ أنّها وَلَدَتْ

وَلَداً صغيراً كان من عَهْرِ».



المقطوعة الثانية: وقال لهند ابنة عتبة بن ربيعة، وكان حفص بن المغيرة المخزوميّ زوجُها:

«لِمَن الصَّبيُّ بجانبِ البَطحاءِ

في التُّربِ مُلقىً، غيرَ ذي مَهْدِ؟

نَجَلتْ بهِ بيضاءُ آنِسَةٌ

مِن عَبْدِ شمسٍ، صَلْتةُ الخَدِّ

تسعى إلى الصُّيَّاحِ مُعْوِلةً

يا هندُ إنّكِ صُلْبةُ الحَرْدِ

فإذا تشاءُ دَعَتْ بمقْطَرةٍ

تذكى لها بأَلُوَّةِ الهِنْدِ

غلبَتْ على شَبَهِ الغُلامِ، وقد

بانَ السوادُ لِحالكٍ جَعْدِ

أشِرَتْ لَكاعِ وكان عادتُها

دَقُّ المُشاشِ بِناجِذٍ جَلْدِ».



المقطوعة الثالثة: وقال لهند أيضاً:

«لِمَنْ سَواقطُ صِبيانٍ مُنبَّذَةٍ

باتتْ تَفَحَّصُ في بَطحاء أجيادِ؟

باتتْ تَمخَّضُ ما كانتْ قَوَابِلُها

إلاّ الوحوشَ، وإلاّ جِنَّةَ الوادي

فيهمْ صَبيٌّ له أمٌّ لها نَسَبٌ

في ذُروةٍ من ذُرَى الأحْسابِ، أيَّادِ

تقولُ وَهْناً وقد جَدَّ المَخاضُ بها:

يا ليتَني كنتُ أرعى الشَّوْلَ للغادي

قد غادروهُ لِحُرِّ الوَجهِ مُنْعَفِراً

وَخالُها وأبوها سَيِّدا النَّادي».



ويروي الصفديّ أنّ الرسول لمّا سمع هجاء حسّان هذا قال له مستحسناً: «لقد شَفيتَ، يا حسّان، وأشفَيت».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق